تواصل الولايات المتحدة الإعلان عن رفضها التعاون مع روسيا في سوريا، والتأكيد فقط على وجود اتصالات محدودة للتنسيق من أجل سلامة الطلعات الجوية هناك.
هذان الرفض والتأكيد يشكلان عائقا خطيرا أمام أي تحركات بنَّاءة لإيجاد تسويات ما للأزمة السورية على الأرض. بل ويعطيان انطباعا بأن واشنطن تدلي بتصريحات مرنة من جهة، وتعود لتفسر هذه التصريحات بطريقتها الخاصة من جهة أخرى. وهي بذلك تضع المعوقات ليس فقط أمام موسكو، بل وأيضا أمام حلفائها الغربيين والعرب. وإلا فما معنى، تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية بأنها لا تخطط لأي عمليات عسكرية مشتركة مع روسيا في سوريا، بما في ذلك عملية هدفها منع المسلحين من حشد قواهم في حلب؟! ومن قال أصلا أن موسكو طلبت من واشنطن إجراء عمليات عسكرية مشتركة، سواء في سوريا كلها، أو في حلب على وجه التحديد؟
إن وزارة الدفاع الأمريكية تشدد على أن الولايات المتحدة ترحب بـ”توجه روسيا نحو محاربة داعش، بشرط تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار”، بينما وزارة الخارجية الأمريكية تقول “إذا كانت روسيا تريد شن ضربات جوية من أجل إضعاف داعش والقضاء عليه فنحن نرحب بذلك.. أما فيما يتعلق بحلب فيجب أن يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن هوية أولئك الذين نوجه ضرباتنا إليهم”.
الولايات المتحدة تسارع على الفور بإعادة الأمور إلى مربعاتها الأولى بمجرد تغير الأوضاع على الأرض في سوريا. وبالتالي، لن نندهش كثيرا عندما نرى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعرب عن قلقه لنظيره الروسي سيرغي لافروف بشأن الوضع في حلب. ولكن لماذا حلب الآن، ولماذا أصبحت مهمة لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين؟ ولماذا لا تعلن واشنطن عن الجماعات والتنظيمات المسلحة الحليفة لها في حلب؟
إن الولايات المتحدة لا تريد أن تتعلم من أي تجربة. وفي الوقت نفسه تصدِّع رؤوس العالم باعترافات قادتها حول أخطائهم في هذه الجريمة أو تلك. وبالتالي، لم يكن غريبا أن يلتفت العالم إلى اعترافات أوباما بأنه “لم يأخذ بالحسبان عواقب التدخل العسكري في ليبيا، وأنه قد أساء دراسة هذه العواقب”. وإذا ابتعدنا عن ترجمات وتفسيرات وسائل الإعلام لهذه العبارة المهمة، سنجد أن واشنطن تحاول الالتفاف على الواقع في سوريا من أجل تفادي خطئها في ليبيا. أي إنها تحاول تكرار تجربة العراق في سوريا. وذلك باختراع أشكال سياسية وسياسية مسلحة وخلط الأوراق لتشكيل هيئات مطيعة لها، سرعان ما ستتخلص منها كما حدث في العراق. ولكن إلى ماذا تحول العراق بالضبط وفقا للرؤى الأمريكية؟
في هذا الصدد تحديدا، سارع الكرملين بالتأكيد على أن بوتين قال إن ما يجري في ليبيا هو نتيجة مباشرة لاستخدام القوة من بعض الدول وقتل القذافي، معربا عن أسفه بأن ليبيا أصبحت دولة فاشلة. وذهب الكرملين إلى أن الرئيس الروسي أكد مرارا أن الوضع المتأزم في ليبيا حاليا جاء نتيجة لسلوك مجموعة من الدول، وأن الوضع في ليبيا هو نتيجة لتدخل هذه الدول عسكريا في هذا البلد لقلب نظام حكم معمر القذافي. كما أعرب بوتين عن أسفه أكثر من مرة عن ما آلت إليه الأوضاع بسبب استعمال القوة والقضاء على القذافي.
في الحقيقة، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد أكد في ديسمبر/كانون الأول 2015، أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ في ليبيا. وأشار إلى أن الرئيس أوباما اعترف بأن بعض خطوات واشنطن في ليبيا كانت خاطئة، لأن “أمريكا لم تقم بكل ما كان يجب فعله لإقامة حكومة شرعية في ليبيا بعد التدخل العسكري فيها”. أي أن أوباما لم يعترف بخطأ التدخل العسكري، ولكنه اعترف بخطأ عدم الحفاظ على المؤسسات، وعدم تشكيل الهيئات والأطر السياسية التي من شأنها أن تمنع وجود فراغ سياسي في البلاد، وإتاحة الفرصة للتنظيمات والجماعات الإرهابية والمسلحة من السيطرة على الساحة.
واشنطن تحاول اختزال الأمور إما في تدخل عسكري، أو في تشكيل هيئات سياسية لصيقة بها، وتتحرك بين هذين المتغيرين لإقناع العالم بأنها على الطريق الصحيح، رغم كل النتائج التي نراها أمامنا من تلك المراوحة بين هذين المتغيرين، سواء في العراق أو في ليبيا. وعلى الجانب الآخر، تحاول فرض هذه الرؤية على الجميع، خصوم وحلفاء، والالتفاف على أي مبادرات أو طروحات أكثر قربا إلى الواقع، حتى وإن كانت تتماس مع رؤاها أو تتقاطع معها.
للاشتراك في قناة موقع “يمنات” على التليجرام انقرهنا